لفت البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، في رسالة عيد الميلاد المجيد من بكركي، إلى "أنّنا نحمل في صلاتنا أهلنا في جنوب ​لبنان​، الّذين يعانون من حرب فُرضت عليهم ولا يريدونها، ولا أحد منّا ومن اللّبنانيّين يريدها".

وأشار إلى "أنّنا نعلن قربنا منهم وتضامننا معهم، كذلك مع أهل ​قطاع غزة​ المفروضة عليهم حرب إباديّة جماعيّة، حصدت من دون شفقة في آخر إحصاء 18,000 فلسطينيًّا، 70% منهم من النساء والأطفال، واقترب عدد الجرحى من 50,000، وبلغ عدد المفقودين تحت الأنقاض 8,000 بين قتلى ومن ينتظر الإنقاذ، وتمّ تهجير 1,800,000 فلسطيني قسرًا، وتحولّت أحياء قطاع غزّة إلى أنقاض".

وأعرب الرّاعي عن إدانته "أشدّ الإدانة، هذه الحرب الإباديّة الوحشيّة، ونصلّي إلى الله من أجل هؤلاء الإخوة المنكوبين"، مناشدًا ​الأمم المتحدة​ ومجلس الأمن إيقاف هذه الحرب، رحمةً بالمدنيّين الأبرياء، فبالحرب لا أحد يربح بل الجميع خاسرون!".

وشدّد على أنّه "ما أحوج المسؤولين السّياسيّين عندنا في ​المجلس النيابي​ والحكومة والأحزاب والتّكتّلات النّيابيّة، إلى نور كلمة الله الّذي ينير الضمائر، لكي يخرجوا أحرارًا من ظلمة مصالحهم الخاصّة والفئويّة، ولكي يخرجوا البلاد من نفق الفراغ الرّئاسي في أدقّ وأخطر مرحلة من تاريخ لبنان!".

كما توجّه إليهم بالقول: "إنّكم ترتكبون جرمًا بحقّ ​رئاسة الجمهورية​ والمؤسّسات الدّستوريّة و​الشعب اللبناني​، فيما تتمادون في رهن انتخاب رئيس الدّولة إلى شخص أو مشروع أو هدف مستور، والضّحيّة هي الدّولة بكيانها والشعب بحقوقه السّليبة".

وركّز الرّاعي على أنّ "الرّأي العام الدّاخلي والخارجي رحّب بقرار التمديد لمدّة سنة لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة، بموجب القاعدة العامّة: "خلاص الوطن هو الشّريعة الأسمى". فكم بالأحرى انتخاب رئيس للدّولة، وحمايتها من تفكّك مؤسّساتها، وتشتيت شعبها، وغياب رأسها عن طاولات المباحثات الجارية في العواصم بشأن هذه المنطقة الشّرق أوسطيّة الملتهبة بحروبها ونزاعاتها؛ ولبنان في طليعتها!".

وتساءل: "هلّا قلتم لنا لماذا تريدون خراب الدّولة بعدم انتخاب رئيس لها؟ وأنتم تعلمون جيّدًا أنّ لا دولة من دون رئيس!"، مبيّنًا أنّهم "يتكلّمون عن التّوافق حول شخص الرئيس. هذا التّوافق يتمّ أثناء دورات الانتخاب المتتالية عملًا بقاعدة الدّيمقراطيّة، والبرهان مرور سنة وثلاثة أشهر من الفراغ، من دون جدوى".

وسأل: "من يحمي الدستور بغياب الرّئيس، وهو وحده يحلف اليمين على حمايته؟ وبغيابه من يرأس المؤسّستَين الدّستوريّتَين: مجلس النّواب والحكومة، لجهة ضبط تناسق عملهما، وهما جناحا الدّولة، ومن واجب الرّئيس تأمين تناغمهما، تحت باب احترام الدّستور؟ وبغيابه من يطلب إعادة النّظر بالقوانين وتوقيعها انسجامًا مع الدّستور، وتجنّبًا لأيّ ظلم قد يحصل؟".

إلى ذلك، أضاف: "القضيّة مطروحة اليوم بالنسبة إلى "القانون الرّامي إلى تعديل بعض أحكام قوانين تتعلّق بتنظيم الهيئة التّعليميّة في المدارس الخاصّة وتنظيم الموازنة المدرسيّة"، الّذي أصدره المجلس النّيابي في 15 كانون الأوّل الحالي، وأثار اعتراضًا شديدًا من ​المدارس الكاثوليكية​ على بعض بنوده، الّتي توقع ظلمًا بالمدارس وأهالي التّلاميذ، لاسيما وأنّه يصدر بعد نهاية الفصل الدّراسي الأوّل، الأمر الذي اضطرّ هذه المدارس لإعلان إضراب مفتوح نحن بغنى عنه؛ ويكفي ما نواجه جميعًا من قلق وعدم استقرار وتصاعد الحرب في الجنوب".

ودعا الرّاعي، المعنيّين إلى "جلسة حوار لإزالة النقاط الخلافيّة، حمايةً للعائلة التّربويّة في كلّ مدرسة: إدارةً، وهيئةً ومعلّمين وأهالي وتلامذة"، مؤكّدًا أنّ "الكنيسة بمؤسّساتها التّربويّة والاستشفائيّة والاجتماعيّة، تقوم برسالتها من باب المحبّة الإنجيليّة، دونما تمييز ديني أو طائفي أو مناطقي؛ وتتكبّد لهذه الغاية تضحيات جمّة وجسيمة".

وأوضح أنّها بذلك "تساعد الدّولة في هذه المسؤوليّة. ولكن يؤسفها جدًّا أنّ المسؤولين في الدّولة غير معنيّين، بل يحاربون هذه المؤسّسات ويحرمونها من عائداتها، ويشبهون "أناسًا يشربون من البئر ويرمون فيه حجر". وذكر أنّ "الأبرشيّات والرّهبانيّات، الّتي ترزح تحت ثقل هذه المؤسّسات المهدّدة بالإقفال، هي في صدد تقديم مراجعة قضائيّة أمام ​مجلس شورى الدولة​ لتحصيل ديون مترتّبة بذمّة الوزارات المختصّة، وتعود للجمعيّات الرّهبانيّة وللأبرشيّات، ومنها المستحقّات العائدة لمدارسها المجانيّة من وزارة التربية، كما المستحقّات العائدة لها من وزارة الشؤون الاجتماعية، وصولًا إلى المستحقّات العائدة للمستشفيات من وزارة الصحة... وسواها من مستحقّات أخرى لم تعمد الدولة اللبنانية والوزارات المختصّة بتسديدها منذ سنوات عدّة منصرمة، ممّا أدّى وما زال يؤدّي إلى أضرار فاضحة وفادحة في كميّة الديون المتوجّبة؛ إن من جرّاء عدم التسديد الفوري أو من جرّاء تدني قيمة العملة الوطنيّة".

ولفت إلى أنّ "الاحتفال بيوم الفقير العالمي، الّذي جرى في الكرسي البطريركي في بكركي الأحد 19 تشرين الثّاني الماضي، وجمع أكثر من عشرة آلاف مشارك بين معوّقين من مختلف المؤسّسات، وتلاميذ مدارس ومعلّمين وإداريّين، وأطبّاء وممرّضات وممرّضين، شكّل صرخةً بوجه المسؤولين في الدّولة، لإهمالهم الفقراء والمرضى والمعوّقين واليتامى والمؤسّسات الّتي تعنى بهم".

واعتبر الرّاعي أنّ "ذاك اليوم شكّل بداية مسيرة مشتركة تقودها الكنيسة، محطّ آمال شعبنا الوحيد. وعليه، بالإضافة إلى إعرابي عن شكري الحارّ، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، لجميع الّذين حضروا إلى بكركي أو تابعوا وقائع هذا النّهار عبر وسائل الإعلام الّتي بثتّها مباشرةً مشكورة، وكلّ الذين نظّموا وسخوا، أؤكّد أيضًا أنّ هذه الصّرخة، صرخة الفقراء والمرضى والمعوّقين واليتامى، والجيل الجديد من الأطفال اللّبنانيّين المحرومين من المستقبل، وصرخة كلّ من يرافقهم يوميًّا، لم يتمّ إطلاقها سدًى؛ بل تبقى حيّة بقوّة محبّة الكنيسة التّفضيليّة للفقراء الّتي أعلنها ربّنا يسوع المسيح بميلاده ونهج حياته".